. رواية الأدب الجاهلي على مر العصور - مجلة غاية
يتم التشغيل بواسطة Blogger.

تابعنا على الفيسبوك

رواية الأدب الجاهلي على مر العصور

رواية الادب الجاهلي عبر العصور

 سلسلة مقالات " لمحة من آداب العربي "
" رواية الأدب الجاهلي على مر العصور "

محمود الهليهي

ــــــــــــــــــــــــــ

استطاع الأدب العربي - بشقيه النثري والمنظوم - التربع على عرش الحياة في المجتمع العربي، بداية من العصر الجاهلي، ومروراً بعصر صدر الإسلام، وكذلك العديد من العصور التاريخية، إلى عصرنا هذا، وقد انتهينا في المقال السابق - لمحة من آداب العربي - على تعريف الأدب في مختلف العصور، أما الآن نتكلم عن شكل الحياة العربية في مختلف العصور من خلال الأدب العربي.

الحياة الجاهلية ونبوغ الشعر فيها:

بالرغم من اتصاف الحياة الجاهلية بأنها؛ ذات أمية جسيمة تُحجم من تواتر الثقافة، كما وتميزت بقسوة عيش البادية التي تكاد تصيب القلب والمشاعر بالجفاء، إلا أن الشاعر الجاهلي استطاع المُضي قُدماً نحو تكوين منهج فكري ثقافي، وتضمينه بالكثير من الأساليب والصور، وذلك في قالبين متميزين يُعدا من ركائز الأدب العربي ألا وهما؛ الشعر والنثر.

وقد استطاع الشاعر والخطيب العربي إيصال كل ما يدور من حوله في صورة جلية وواضحة من خلال الشعر والنثر، فلقد كان الشاعر لسان قومه، وأداة معبرة عن آمال وتطلعات قبيلته، كما وكان سيفها الباتر الذي يتسلط على الأعداء هنا وهناك، ومن هنا نشأت ألوان وأغراض الشعر والنثر العربي، فهنا نرى المبارايات الشعرية في الأسواق، كما ونري المنافرات والمفاخرات النثرية في الاجتماعات، وكذلك خطب النكاح والمناسبات الاجتماعية.

فبالرغم من المجتمع الأمي الذي ساد العرب قديماً، إلا أن العصبية القبلية ساعدت في انتشار الشعر وتواتره بين أفراد ذلك المجتمع، فكلما نضج شاعر ما في إحدى القبائل سارعت إليه بالاحتفاء والاحتفال وحفظ أشعاره، وذلك بسبب المكانة العالية والمنزلة الرفيعة التي حصل عليها الشاعر، فهو لا يقل دوراً عن الجندي في المعركة، هذا يبارز بسيفه، وذلك بلسانه، بل ولربما تفوق علي الجندي في قدرته على تحفيز الناس وإلهاب مشاعرهم تجاه القتال.

ولعدم انتشار التدوين لجأ المجتمع الجاهلي إلى الرواية الشفهية، فالقصائد الشعرية تنتشر كالنار في الهشيم بين أفراد قبيلة الشاعر، وذلك لسهولة الحفظ لديهم، وقد ظل بنو تغلب يُكثرون من ترداد قصائد لشاعرهم "عمرو بن كلثوم"، ليرد عليهم بعض بني بكر ليقولوا:

ألهى بنو تغلب عن كل مكرُمة ... قصيدة قالها عمرو بن كلثوم

يروونها أبداً مذ كان أولهــــــم ... يا للرجال لشعر غير مسؤوم

رواية الشعر العربي في الجاهلية:

ظلت كل قبيلة تروي لشاعرها، وكل شاعر يروي لأخر طوال العصر الجاهلي رواية شفهية، ولم تكن رواية الشعر مقصورة على الأقارب أو أبناء القبيلة فقط، بل كان الشاعر يروي لشاعر آخر من قبيلة أخرى، وربما لا تجمعه صلة قرابة معه، إلا إن حب الشعر وشغفهم بالأدب دفعهم للتعلم والرواية على أيدي شعراء كبار، ومن هنا نشأت مدارس أو سلاسل شعرية قد بينها النُقاد على النحو التالي:

  • سلسلة أوس بن حجر:

أخذ الشعر عنه زهير بن أبي سُلمى ( ابن زوجة أوس ) وأخذ منه ابنه كعب، والحطيئة، وعن الحطيئة أخذ هدبة بن خشرم، وعنه أخذ جميل ( صاحب بثينة )، وعن جميل أخذ كثير ( صاحب عزة ).

  • سلسلة المسيب بن علس:

أخذ عنه الشعر الأعشى ( ابن اخته ).

  • سلسلة المهلهل:

أخذ الشعر عنه امرئ القيس ( ابن اخته ).

  • سلسلة المُرقش الأكبر:

أخذ عنه الشعر المرقش الأصغر ( ابن أخيه ) وعنه أخذ طرفة بن العبد ( ابن أخيه ).

  • سلسة الهذليين:

وكان أبو ذؤيب الهُذلي راوية لساعدة بن جؤية.


السلاسل الشعرية في العصر الجاهلي
السلاسل الشعرية في العصر الجاهلي

رواية الشعر الجاهلي في الإسلام:

ظل الاهتمام بالشعر وروايته حتى في عصر صدر الإسلام، فقد حرص المسلمون الأوائل على تدعيم ثقافتهم من خلال الشعر، ليسير الشعر مع المسار الإسلامي في عهد الرسول (ص) ليخرج علينا شعراء مخضرمون يشار إليهم بالبنان، ومنهم حسان بن ثابت شاعر الرسول (ص)، وكعب بن مالك صاحب البُردة رضي الله عنهم أجمعين.

كما وانتهج الخلفاء الراشدون منهج النبوة، فاهتموا بالشعر ومجالسه، وقد قيل إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قال لولد هِرم بن سنان:" أنشدني بعض مدح زهير لأباك، فلما أنشده قال عمر:" إنه كان يحسن فيكم المدح، فقال: ونحن كنا نحسن إليه العطية، فرد عمر:" قد ذهب ما أعطيتموه وبقي ما أعطاكم ".

وقد ظلت رواية الشعر في الإسلام على مدى عصور، وقد امتدت حتى العصرين الأموي والعباسي، حتى خرجت المدارس التي احترفت الشعر وروايته وجعلت منه مهنة وعملاً، وكان على رأسهم مدرستا الكوفة والبصرة.

مدرسة البصرة:

كانت مروياتهم أكثر اهتماماً بالتعقيد والتشدد والنظر إلى اللغة، حيث كان هدفهم ضبط القواعد، وكل ما خالف القاعدة فهو شاذ ونادر وموضوع.

وكان من أِشهر رواتهم:

أبو عمرو بن العلاء - أبو زيد الأنصاري - الأصمعي - ابن سلام الجمحي - أبو حاتم السجستاني - المبرد

مدرسة الكوفة:

كانت مروياتهم أكثر اتساعاً وقبولاً لكل ما جاء عن العرب، فكثرت عندهم اللغات والوجوه، ولم تكن على القواعد العامة للعربية، ولهم الكثير من الوجوه في المسألة الواحدة.

وكان من أشهر رواتهم:

حماد الراوية - المفضل الضبي - أبو عمرو الشيباني - ابن الأعرابي - ثغلب.

وبسبب التضييق الذي وضعته مدرسة البصرة في نقل مروياتهم كانت هي الأصح والأوثق، وكانت هي المدرسة الأبعد عن التعصب والانتحال الشعري.

المصادر:

الشعر والشعراء - ابن قتيبة

تاريخ الأدب العربي - د/شوقي ضيف

الأغاني - ابو الفرج الأصفهاني

خزانة الأدب - البغدادي

ضحى الإسلام - أحمد أمين

مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية - د/ناصر الدين الأسد


محمود الهليهي


التعليقات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لـ مجلة غاية

أكتب كلمة البحث...